28‏/11‏/2012

حدود الصبر ومراسي اليأس


حمادي البشير  
تسير بنا الايام أو نسير نحن فيها كل على مطيته، نواجه المطبات والحفر ونناور كل وفق مهارته، لكن الايام ذاتها تمنح وتصادر، البعض تمنحه المطية القوية وتطبع في دواخله متانة الشكيمة والبعض تسخر له ماشاءت من هزيل البهائم أو خردة الالات، وتبقى محطات الوصول والسرعة في الوصول اليها رهن بكل تلك المعطيات، هل سيصل صاحب المركوب القوي أولا أم ذاك الذي عثرته مراكيبه؟ كيف سيصل كل منهما الى الهدف؟ ماتأثير دواخلنا ونزواتنا في كيفية الوصول؟ هل حالنا واحد في الارتباط بسبب إنطلاقنا اصلا؟ هل أثرت الليالي والايام كعادتها في نظرتنا للأمور؟
الى حد ما ووفقا للإيمان في عالمنا الداخلي لا يجب رد اللوم على الايام والانشغال بمحاكمتها على ما وضعتنا فيه ولايجب الغوص عميقا في الانفعال ضد القدر، والى حد بعيد لن يغضب المؤمن على الدهر ولكنه وعند حدود معينة سيغضب على اخيه المؤمن عندما يسوقه قدره ليجعل منه حارسا على الحيلة والتدبير، ومخول له منحه ومصادرته، وعندما يعتقد ان الحارس لا يتأثر بفعل الزمن. وسيسيطر عليه الحنق عندما يتضح له مع الايام أن الحارس لم يعد يهتم ـ او هكذا تقرأ المعطيات ـ بما يجب الوصول اليه واصبح أكثر اهتمامه بالنبش في نزوات القوم ومراعاتها وتعقيدها لتصبح مشجبا تعلق عليه الامال والالام وترسم وفقا له الخطط وتوضع التدابير حتى إن كان الهدف يزداد بعدا ويتزايد الضباب حول السبل المؤدية اليه.
لكل منحة محاسن ومساؤي، ومن فضائل منحة القدر انها لك ولن تجد عنها محيدا ولن تنفعك الشكوى والتبرم وتتيقن انه عليك فقط مواصلة المسيرة، وتتعدد كثيرا المفارقات بين ما يمنحه القدر وما يمنحه الانسان ولاتتسع اروقة هذه السطور للتعرض لها. اما ما يمنحه أخيك المؤمن فهو ليس لك يمكنه مصادرته تماما كما منحه اول مرة يمكنه ـ وتلك الادهى ـ أن يمنه عليك ويرش رذاذ المرارة على ما منحك اياه، يبذل الكثيرمن الجهد وليس كله في البحث عن ما يمكنه عرقلة مسيرتك وتعثر مسعاك، تفكر مليا في الاسباب التي تدفعه الى كل ذلك وتخرج من الموضوع تملآك الحيرة وتتمايل على حافة الندم على ما جمعك مع هاته التعقيدات. وعندما يسود الافق امامك وتنهشك الوساوس تتذكر انه لديك مرساة تتحكم فيها تضعها متى تشاء وترفعها متى تشاء وتعتبر فرجا لا يتحكم فيه أخيك المؤمن ولا يمكنه مصادرته او تعطيله.
تسير وانت لا تدري هل انت في درب مؤد الى بر الامان ام انت في طريق وهمي لا يؤدي إلا الى الوهم تتذكر من عبروا السراديب قبلك، بعضهم عبر وانت لم تولد بعد، تستحضر ان بعضهم رحل من اجل الدرب ووضوحه والبعض اطال الله عمره ولم يستكمل المسار، وآخرون مثلك لازالوا في وسط الطريق راضين او مرغمين على الرضى بإملاءات المسيرة. تلتفت الى اليمين واليسار تتساءل عن تقييم ما (انت/ هم ) فيه وتنتبه الى ان القوم يطاطئون روؤسهم خوفا من الاجابة او جهلا بها، تلتف حول ذاتك المتعبة وتتساءل هل (أنا/ نحن) لانزال على الطريق السوي؟ وطبعا ستجد جوابا لكنه ليس شافيا، وتغوص في ظلام دواخلك بحثا عن قرار وتتأثر بفعل القوم وحالهم وتستمر في المسير ولكن ينتابك القلق من الضباب الذي يلف كل شئ.
مثير للشفقة ان تسير وانت لا تدري في اي المراحل انت، هل انت في منتصف الطريق او ابعد من ذلك هل تتقدم ام تراوح مكانك، ومثير للمرارة ان يمنعك التشويش من معرفة متى تستخدم المرساة والاكثر الما ان تعلم ان من يعيقك عن التقدم هو من امنته على حيلتك وتدبيرك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review