17‏/12‏/2012

التجاوزات الأمنية عندما يصبح الخصم هو الحكم

ميشان إبراهيم أعلاتي
ملاحظة : هذا الموضوع نشر في الطبعة الورقية لمجلة المستقبل الصحراوي سنة 2005، ونعيد نشره على هامش الحادثة الأخيرة "المخجلة " و التي كان أبطالها رجال يحسبون على مؤسسة وطنية مهمتها حفظ العباد و البلاد، الغريب ان كل حيثيات الموضوع تنطبق على الواقع اليوم بكل خذافيره دون نقصان او زياة، وهذا يعني ان مسار ودوامة الحياة بالدولة الصحراوية تعيد نفسها بإنتهاج نفس الأسباب لتنتج نفس النتائج المخيبة للأمال، و يبقى المسؤول الأول و الأخير هم من يتحكمون في زمام الأمور من خلال سوء التسير و قلة التدبير.
كثيرا ذلك الصخب والعويل الذي أثير بين جموع المواطنين لاسيما تلك المتحورة أساسا حول التصاعد المخيف للتجاوزات الامنية داخل المخيمات وفي مجملها عديدة ومتنوعة أبطالها رجال كان من المفروض أن يوفرون الامن والسلام للمواطنين لكن شيئا من ذلك لم يكن وقد يسأل سائل كيف ذلك؟ وقبل أن أجيب أقول أن الحديث عن هذا الموضوع فيه الكثير من المأخذ والتشعبات غير أنه أصبح من الضروري بما كان الخوض فيه لأنه وبكل بساطة أصبح الشغل الشاغل للكثيرين .
فمن منا لم يشهد او يسمع عن حادثة هنا أو أخرى هناك ؟ وفي الوقت الذي كنا ننتظر أن يتم تطويق التجاوزات وتطبيق القانون بكل حذافر تفاجئنا بتلك الحالة الأستثنائية التي تحول فيها الحكم إلى خصم , وتحول حاميها إلى كبير اللصوص , ويحدث ذلك عادتا عندما تقترن الحصانة القانونية بالمصالح الشخصية والدلائل بينة للواجهة ولا تحتاج إلى من يبرزها , لأن القصص الواقعية وحدها كفيلة بفضح مثل تلك التصرفات والممارسات الغير مسؤولة , والتي يتحمل عواقبها وتبعاتها من هم مسؤولين من قريب أو بعيد عن تلك الأجهزة لأنهم هم وحدهم من وظف هؤلاء الأشخاص الذين أساؤ بطريقة أو بأخرى لسمعة أجهزة ومؤسسات الدولة والشواهد على ما أقول كثيرة غير أني سأحتفظ بها وأكتفي بالأشارة لأن ذكر الأحداث كلها وبالتفصيل سيثقل كاهل القراء الكرام , بالإضافة إلى أن ذكرها يعد بمثابة السرد الممل لمشاهد ألفها القاصي والداني بشكل شبه يومي . فمن التجاوزات التي يمكن الاشارة إليها تلك الأحداث المأساوية التي شهدناها في العام الماضي وكانت مادة خصبة لوسائل إعلام العدو , فبالعودة إلى الأحداث المذكورة نجد أن السبب في حدوثها هو التجاوزات التي نتحدث عنها , حيث يعمد " رجالاتنا " إلى الدخول في مشادات ومناوشات مع المواطنين الذين يرفضون ومن باب المنطق الرضوخ لمطالب وإبتزازات يتعرضون لها من طرف هؤلاء , بحكم أنه لا القانون ولا العرف يقول بذلك , وعندما يطلب المواطن البسيط والمغلوب على أمره مبرر أو وثيقة من " رجالاتنا " فإن هؤلاء يعجزون عن تقديم ذلك , وهذا يولد الكثيرمن الظنون والشكوك لدى المواطنين , وهذه نقطة لم يتسلح بها المعنين بالأمر مما يحسب سلبا عليهم , وبالإضافة إلى ماسبق يمكن ذكر عامل الإنتقائية الذي يمارسه البعض عندما يعكفون على تنظيم الطابور( الصف ) في كثيرمن مراكز المراقبة( الكنترولات) , يحدث ذلك إسنثائيا أي في حالة ما إذا وجد من ينظم الطابور أصلا لأنه غالبا ما نسجل غياب شبه كلي للمسؤلين عند ابراج المراقبة( الكنترولات) مما يولد فوضى عارمة وعراك لدى المواطنين الذين يتنافسون في ما بينهم للإستحواذ على مقعد في أول سيارة , وهذا منطقي ومبرر في ظل غياب الأمن , ويقودنا الحديث عن غياب الأمن للإشارة إلى أن هذا العامل هو السبب الأساس في بروز مجموعة من الأفات الإجتماعية والمشاكل ومنها السطو المنظم على المؤسسات و على الممتلكاتالخاصة للمواطنين سوى المحلات التجارية أو المنازل , بالإضافة إلى أن غياب الأمن يعد سبب أساسي في بروز حالات مثل الإغتصاب والإختطاف , وفي ظل كل هذا هناك أخبار غريبة تدور في الكواليس وتتحدث عن التقسيم الغير منطقي للمناطق بحسب السيطرة والنفوذ وفق الشيفرة المرقمة المتعارف عليها لدى الأجهزة المختصة , وذلك بهدف الإسترزاق على حساب جيب المواطن , وهنا يتم الإستعانة بالغطاء القانوني الذي توفره الدولة - إذ يستخدم القانون بالطريقة الخطأ - وأتذكر هنا مقولة لمونتسكيو يقول فيها : " كل شرطي تجاوز حدود صلاحياته تحول إلى قاطع طريق " وبالبحث عن الأسباب والدوافع وراء إنتهاج هذه الطرق العوجاء وهذا السلوك المشين نجد أن ضعف الراتب المهني أو إنعدامه يعد أحدها غير أن اللجوء إلى مقايضة المواطنيين قد تجر صاحبها إلى الأنزلاق في متاهات تضر أكثر مما تنفع وإلى الجانب المادي هناك الجانب الثقافي إذ أن المستوى التعليمي لدى الكثير لايتجاوز في أحسن الأحوال المستوى الأبتدائي أو المتوسط , ومن المضحك المبكي في هذا الشأن هو إستعانة الأجهزة المختصة عندنا - في حالة إستثنائية أيضا - ببعض" المجرميين " للقبض على " مجرميين " أخرين أو للحيلولة دون وقوع جريمة أخرى . ولأن الجهل بالقانون يعد بحد ذاته جريمة , فإن ضعف المستوى التعليمي وعدم إدراك القوانين يعني ضمنيا التطبيق التعسفي والمغلوط للقانون وهنا يستحضرني ذلك الجدال الذي تحدث عنه سقراط إذ تسائل هل يجب أن يطاع القانون إن كان هذا القانون جائر ( غير عادل ) ؟ وكيف نتعامل مع التطبيق الجائر للقانون العادل , وهذا يقودإلى طرح تساؤل أخرهو : ماذا يجب أن يفعل المواطن في هاته الحالة , الطاعة العمياء أم العصيان ؟ سؤال وجيه يحتاج إلى الكثير من التفكير قبل الإجابة , غير أنه وفي كلتا الحالتين سيكون هناك إختلاف وجيه لوجهات النظرمن الجانبين مما قد يخلف عواقب وخيمة تماما كتلك التي حدثت عندنا في وقت سابق . وللتذكيرفقط فإن الطرق والقوانين المعمول بها في الدول الأخرى للتوظيف في سلك الدرك الوطني أو الامن تعتمد على الكثير من المقاييس المنعدمة عندنا ومنها على سبيل المثال لا الحصر: المستوى التعليمي( والذي يجب أن لايقل في أبسط الاحوال عن المستوى النهائي - البكالوريا-) , القدرات الفكرية والجسدية , الشخصية السوية , حسن السلوك وإمتلاك الحس المدني ( حسن المعاملة والتصرف ) وكلها ضروريات يجب أن تتوفر في أي فرد خولته نفسه تحمل المسؤولية وذلك - وللأسف الشديد - ما لايتوفر لدى الكثير من " رجالاتنا " بل أن معظمهم لايحسن معاملة المواطنيين وإنما يعوض ذلك بالتصرفات الفظة والمغرفة, وهنا يتحمل " رجالاتنا " جزء كبير ومسؤولية جسيمة في حدوث الكثير من التجاوزات الخطيرة التي في الغالب ينجر عنها وقوع ما لاتحمد عقباه , ومثال ذلك مواجهة مواطن بسيط أي عندما يحدث الاختلاف حول أمور بسيطة جدا ومع ذلك فإنهم لايعرفون كيفية إحتواء أو تفادي وقوع المواجهة وهذا ناتج عن عدم إلمامهم بعلم النفس الأجتماعي و نقص التدريبات الفنية والتمرينات السكولوجية التي بات من الضروري بما كان الإلمام بها .
وعموما فإن المسألة لازالت تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتمحيص لأنها وببساطة مهمة جدا ولها تداعيات على عدة مستويات ومن ذلك إنعكاساها سلبا أو إيجابا على مستوى هيئات و مؤسسات الدولة أوعلى حياة المواطن وذلك على حسب أداء الأجهزة المختصة والذي سيخضع في الأول والأخير إلى ما تقدمه من خدمات إنسانية التي تحتكم إلى مدى قانونيتها أو بالأحرى مدى تطبيق القانون على أرض الواقع وهذا ما سيحدد في أخر المطاف إن كانت المؤسسات الامنية حكم أم خصم أو بالأحرى إن كان حاميها حراميها أم لا ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review