14‏/1‏/2013

المرايا,, مرايا مقعرة


حمادي البشير  

 جلس عمار على الصخرة الكبيرة قبالة خنادق العدو، كانت بزته العسكرية البالية تعكس الكثير من معطيات أحواله، أسند بندقيته الى جانبه ونظر الى الافق البعيد، وذهبت به افكاره أبعد من الافق، غاص في تفاصيل حياته منذ ولادته مر بها تارة يتألم وأخرى يتنهد ....  لو علم عمار بما سيواجهه في حياته لتضرع لربه أن لايبعثه الى الحياة.
رن جرس إنتهاء الفترة الصباحية من الحصص الدراسية، حملت زينب حقيبتها الثقيلة بترنح وخرجت من مبنى الطين المستعمل كقسم للتعلم، كانت تعلم أن صديقتها تنتظرها في فناء المدرسة، سرحتا في سرد تفاصيل المسلسل الدرامي الذي تبثه التلفزيون، كانتا تشعران وتعبران لبعضهما عن مرارة الحرمان وفظاعة العيش في الملجأ وقساوة التصور بأنهما ولدتا في خارج الوطن وهما على اعتاب الجامعة خارج الارض الام وربما ستدفنان كجدتيهما على ارض "غريبة". لو حدث وعلمت سعاد بتفاصيل حياتها لناشدت الاله أن......
إنتهى حمودي من معاينة حفنة من وثائقه، أمعن النظر في شهادة الدكتوراه خاصته وابتسم بمرارة، شدته العبارة المكتوبة في طياتها والتي شكلت محور حياته العلمية " علم الجيولوجيا " إستعذب نطقها صامتا وتعذب من التفكير فيها وفي حقيقة وضعه الراهن، كانت شقيقته تمزق علب الكرتون وتضعها في إناء علف الماشية وعاود الإبتسام وبمرارة أكثر وهو يتذكر ما قابله به وزير التعليم قبل خمسة اعوام حين جاء يبحث عن فرصة عمل تنمي من كفاءاته.... ترى ماذا قال له الوزير؟ لمن لايدري قال له: قطع شهادتك لمعزات والدتك.... وبعد أشهر قليلة علم حمودي أن إبن الوزير الذي درس معه ولكن في تخصص علم الوراثة، وبالكاد يتجاوز حد الرسوب حصل على منحة دراسات عليا في الجيولوجيا.....  لو صادف وتكهن حمودي بنهاية مساره العلمي والعملي لألهج لسانه بالدعاء أن.......
غرزت البتول الإبرة في ثنايا القماش الصلب الذي تفصل منه خيم الملجأ، تألمت للشقوق العديدة التي سببتها الخياطة في حنايا يديها المتعبتين، واصلت رغم الالم وتذكرت كم من خيمة أخاطت منذ قدومها الى ارض المنفى، جالت بخاطرها الصور المريرة للنزوح، وادمعت عيناها وهي تستعرض العذابات التي واجهتها في تربية عائلتها في ظروف قاسية يفرضها واقع اللجوء وتمنت لو كانت قادرة على البكاء بصوت مرتفع بل كادت لكن غريزة الامومة منعتها..... وتمنت لو.....
جلس مولود القرفصاء في فناء المؤسسة التي يحرسها منذ وضع ساس بناءها قبل 17 سنة، كان الوقت منتصف النهار والمكان لا حي فيه إلا هو والقطة التي يعتني بها دائما لوجه الله، مرر يده على لحيته الكثة وهو يستغرب ويساءل نفسه كيف يسمح المسؤول الاول في العمل لنفسه بالمغادرة قبل منتصف النهار؟ كيف لم يعد يسأله عن حاله وهو الذي يشغل هذا المنصب منذ أكثر من عشرين عاما قضى مولود 17 منها رفقته؟ وما دهاني أنا قال لنفسه، ياإلهي بلغت 69 عاما، لماذا ينقضي العمر كالسراب، ما الذي يرغمني على عمل بائس كهذا؟ ما كان يقوله أمين التوجيه الثوري قبل اعوام لم يعد ملموسا كالسابق.... إبني لم يساعده "رفيقي" رئيس المؤسسة في الحصول على عمل، واعطى الإدارة العامة لإين عمه.... شعر بالتعب وهو يرج الأفكار في دماغه المرهق وسبح لربه ودعا أن......
مرآة محدبة
إلتف الرجل في ثوب الإستحمام الفاخر الاوروبي الصنع، أشعل سيجارة التبغ الأمريكية الفاخرة، رش رذاذ العطر الباريسي الفاخر على يديه ووجهه، إرتمى بغنج الإناث على الكرسي الوثير المغلف بجلود التماسيح في بيته الراقي، تفحص عناوين الجريدة، لوى شفتيه لأن صورته في الصفحة الأولى لم تعجب إبنته، نظر جيدا الى الصورة وأبتسم في أعماقه، وحدث نفسه أن كل شئ على ما يرام، العمر يسير بنعومة ومستقبل الأبناء مأمون مادام (الخليفة) البكر يتهيأ لتقلد منصبه السامي، المعاملات في النقدية تسير كما خططت لها، المدام حفظها الله في بلاد الغربة ولكن الغنى في الغربة وطن.....سمع لقطا في الخارج قطع عليه حبل أفكاره الوردية فنظر من النافذة وهو يتقزز من منظر جارته اللاجئة وهي تجمع بقايا ياجور الطوب....تأفف من المشهد وعاد الى الكنبة اللينة التي تتوسط صالون الجلوس وشغل شاشة "البلازما" العملاقة، تناول كأسا من عصير الفواكه الطازج الذي أمر الخادمة بإعداده قبل دخوله حوض الإستحمام، تناول هاتفه النقال وأنزلق في غياهب المكالمة الناعمة التي إنتهت بموعد قريب مع الضحية.... بعد دقائق سمع هدير محرك سيارته المميز لأنها الوحيدة من طرازها في المخيم اللاجئ.... عاد للإبتسام في قرارة دواخله، مرر يده على محاشمه لأن الضحية على عتبة الباب، تمشى نحو الباب الخشبي الفخم فشد إنتباهه شبحه في المرآة العملاقة الموضوعة على الجدار.... جرته قدميه لمواجهتها ووقف قبالتها ورأى صورته بوضوح، الماء الملعون أزال الصبغ عن الشيب ولكن لابأس صورتي في أذهان العامة على أحسن ما يرام وهذا هو المهم.... سمع إقتراب خطوات من الباب فتنهد من أعماقه ودعا ربه أن يدوم الحال.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review