23‏/10‏/2012

المغرب العربي الكبير.. نحو حل اللغز

صالح عوض 
لماذا تأخرت الوحدة في مساحة هي الأكبر من الوطن العربي، حيث تقع بلاد المغرب العربي بشعوب متقاربة متداخلة، مشكلة وحدة اجتماعية ثقافية متجانسة ضمن النسيج العام للأمة، من عرب وأمازيغ، صهرهم الإسلام كأروع نموذج للإنصهار، وعادوا نسيجا واحدا متداخلا في كل تفصيلاته؟؟.. يسكن في هذا الحيز الجغرافي الكبير نصف سكان الوطن العربي تقريبا.. وبالموقع الذي يحتله هذا الحيز بين البحر وأواسط إفريقيا، وما يمثله هذا المكان من تحديات حضارية في مواجهة المشاريع الاستعمارية، يصبح من الضرورة استنطاق التاريخ والجغرافيا واستشراف المستقبل لاكتشاف لحظة الفعل المناسبة للحظة الراهنة.. بعيدا عن مطامع شخصية لهذا الحاكم أو ذاك، أو حسابات قطرية محدودة، فالمسالة هنا محكومة بالتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
في هذا المغرب العربي الكبير، تحركت التجارب السياسية والحركات التجديدية، متنقلة من بلد الى بلد، فمرة في فاس ومرة في بجاية ومرة في القيروان والزيتونة ومرة في الساقية الحمراء ووادي الذهب.. وكما شهد كل إقليم من هذه الأقاليم تجديدا علميا وإصلاحا منهجيا لمنظومة المعارف، شهد كذلك ثورات ومقاومات ضد الأسبان والبرتغاليين والفرنسيين.. وسجل أهل كل إقليم من هذه الأقاليم صفحات ناصعة تعتبر بلا شك معينا لأهل المكان من العزة والإحساس الكريم بالاقتدار.
من هنا بالضبط، كان لابد ان تتحرك القوى الفاعلة في أقاليم المغرب العربي، كل من جهته وكل بإسهامه وقدراته وتجربته، نحو بناء مغرب الشعوب الحرة المستقلة صاحبة القرار.. ومن العبث ان يتصور أحد أن تمييع شخصية شعب من شعوب المغرب العربي تسرع في الوحدة، لأن الوحدة هنا تستند الى التعدد والتنوع لا الى الإقصاء والإلغاء.. بمعنى أن نتحرك نحو الوحدة مؤمنين بها إيمانا راسخا، كما أننا نعرف مكوناتنا معرفة عميقة، فالوحدة تكون بين أجزاء وليست وحدة جزء مع نفسه.
فالجزائر والمغرب الأقصى وتونس وموريتانيا وليبيا والصحراء الغربية كلها بلدان المغرب العربي، وكما أن الوحدة قدرها، فتقرير المصير هو حق لكل منها على قدم المساواة.. وذلك للسير سيرا أكيدا وصحيا وجنبا الى جنب نحو المغرب العربي المنشود، في مواجهة الأخطار الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ولعله من الواضح أن قضية الصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) أصبحت قاب قوسين أو أدني من الحسم، بعد أن وصلت المفاوضات بين الحكومة المغربية وقيادة جبهة البولوزاريو الى مستوى متقدم، وتحت غطاء الشرعية الدولية التي تقرر حق الشعوب في تقرير المصير.. بمعنى أكثر دقة، ان حكومة المغرب بدأت تسلم شيئا فشيئا بضرورة إيجاد حل للقضية الصحراوية، هذا فضلا عن المعاناة التي يمر بها شعب الصحراء الغربية في المنافي أو في ربوع وطنه.. الأمر الذي يدفع بضرورة التسريع في إنهاء معاناة شعب عربي طال مداها، والعمل على تمكينه من تقرير مصيره السياسي.
ان الحل الصحي والسليم والشفاف للمسألة الصحراوية الذي يتمثل بأن يقرر الشعب الصحراوي مصيره بنفسه، يعني بوضوح صدق النوايا نحو بناء مغرب عربي كبير من شعوب المنطقة وبلدانها، دونما ظلم أو إلغاء.
إن حكام المغرب العربي يقفون اليوم أمام تحد كبير، يتمثل في الاعتراف بأن هناك شعبا حرا كريما قاوم الاستعمار الفرنسي والبرتغالي، وكما كان له سابقة علم وحضارة وتاريخ، من العبث العمل على إلغائه تحت أي ذريعة كانت.. لابد من الاعتراف بوجوده فيما يكون الفعل مستمرا نحو إرساء وحدة المغرب العربي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review